الخروف وملحمة الحرية

السلام عليكم

بينما الخراف في (عرينها) تأكل وتشرب بلا مبالات كان الجزار يشحد سكاكينه ويجهز كلاليبه بانتظار أول خروف سيكون في المسلخ وما هي غير هنيهة قصيرة حتى بدا ذو القرون الصلبة وهو يتجاذب مع مستقدميه رافضا الخنوع والإستسلام

كان خروفنا هذا قوي البنية سلس الحركة فما إن إشتم رائحة الموت حتى انتفض انتفاضة المقاوم الجسور وصاح غاثيا كزئير أسد هصور فاجأ الجزار ومساعديه ، إذ أنه بذلك استطاع الإفلات ولو لبعض حين واندس وسط القطيع وهو يزمجر.
لم يكترث الجزار لما حدث فالزريبة تعج بالخراف ولا داعي للعناد وإضاعة الوقت - هكذا كان لسان حاله يطمئنه - .
أمسك الجزار بغيره منقادا فقد كان هذا خنوعا ومستسلما فلم يبدي أي اعتراض أو مشاكسة اللهم صوته الخافت وكأني به يودع زملاءه ، وقد نال إعجابهم فأثنت عليه بغثاء جهوري هاتِفة بجرأته أمام الموت الزؤام ولم تتوقف إلا عندما قاطعها القصاب مبسملا ومكبرا ( لسم الله والله أكبر ) خيم أثناءها الصمت الرهيب خصوصا بعد أن إنتشرت رائحة الدم وانتفضت الأعضاء، غير أنهم سرعان ما عادوا لهدوئهم يقضمون الكلأ وأشبعهم يجترها مستسلمين ورافضين لأي شكل من أشكال المقاومة
كان من عادة الجزار أن لا يباشر عمله أمام أعين الصحفيين والعارفين عفوا أقصد الخراف المتحفزة تحسبا لأية انتفاضة قد تعيقه على استكمال المهمة وهاهو يغير أسلوبه لما آنسه من الخراف سكونا واستسلاما فبدأ بتجميع الخراف المراد ذبحها وبهذا أصبح ينجز عمله في يسر وسرعة.
في إحدى الأمسيات كان خروفنا المتين قد فكر في وسيلة يستل بها بعيدا عن مرآب الموت هو وزملاءه
فانبرى لسياج الزريبة ينطحه لمرات متتالية يريد تحطيمه والخراف مشدوهة بقوته وجرأته دون أن تحرك ساكنا
لم يكن السياج بالمتانة التي تقيدهم وكان الجزار يعلم ذلك لكنه كان متأكدا من أن خرافه أجبن من أن تفكر مجرد تفكير في اجتياز حدوده
وبالفعل فقد نجح خروفنا من التملص إذ سرعان ما وجد نفسه في العراء الطلق لكنه لم يبتعد وظل ينادي رفاقه للهروب معه قبل أن ينبلج الصبح وينفضح سرهم إلا أن الخراف أكالت له الشتائم وأقدحته بنابي الأوصاف وهم يرتعدون خوفا ووجلا من إكتشاف بغية صاحبهم فيجازون جميعا بفعلته ورغم ذلك ظل خروفنا الشجاع واقفا في ثبات ينتظر قرارهم الأخير غير عابئ بالمصير
غير أن الخراف اجتمعت للمشورة فيما بينها فكان القرار مخيبا للآمال وأكثر من مفاجئ للزعيم .

في صباح اليوم التالي وبعد عودة الجزار المتهيب للعمل كانت المفاجئة التي أعقدت لسانه، فقد وجد السياج محطما والخراف متحلقة حول بطلنا وهو يلفظ أنفاسه الأخيره مثخنا في جراحه الدالة على فعل القرون

رحم الله بطلنا ولا نامت أعين الجبناء

وتحيات عبد العزيز