" تدفن حياً في جسدك و ستغسل كل خطاياك "
العالم المثالي , ما هو شكله ؟ , و اين يكون ؟ , سأقول لك , في الأحلام فقط !
لا تسئ فهمي , أعني عندما تغلق عيناك و تتجرد من كل شيء يربطك بالحياة , و أعني بذلك ألامها , و تتفرغ لخلق عالمٍ الجديد
و لكن لا يمكن لأي شيء , ان يكون بلا قوانين أو ثمن ..
أنا ايضاً لدي قوانيني و ثمني ..
" القرية المحرمة "
في عالمي الوهمي , قرية قد حرمت نفسي عليها , لا أعلم لماذا و لكنني أعلم علم اليقين أنها ارضٌ فاسدة و لن أصلح فيها , لأنها ..
جزء مقتطع من الواقع .. انها المكان الوحيد الذي لا اريد أن اسجن فيه , أنها المكان الوحيد الذي اصبح فيها مجرداً من كل صلاحياتي ..
أنها منشئ الفساد !
و بعدما اختفى البدر الأحمق , و خلف خلفه كماً لا بأس به من الحيرة , و تسبب بالشيء الوحيد الذي اكره بقدر كرهي للمهرج و هو " ما العمل لأن ؟! " , هذه الجملة اكرهها بشدة , أكره ان أكون حائراً , لا اريد أن أكون حائراً , ألم اقسم أنني سأقوم بالفعل الصحيح !؟
كنت احدق بالمكان الوحيد المشرق في ايبوطتي , القرية المحرمة , المكان الوحيد الذي تشرق عليه شمس الحق , أنها بوابة هذه العالم , أنها رحم الشياطين , مكانٌ ملعونٌ حقاً !
" لا تفقد روحك في السبيل أحيائها "
قد اشتقت حقاً لفاطمة , اريد فاطمة , اريد صديقي السرمدي , لماذا كل هذا يحصل لي !؟ , لماذا لا يمكنني فقط الحصول على البعض الهدوء , هل حقاً أنا آلة ميكانيكية تجذب المتاعب نحوها ؟!
رأيت في المائدة التي اعتدت ان تناول فيها عشاءي مع فاطمة , قصاصة ورق تماماً كمثل تلك القصاصات التي اضعها تحت مخدتي ..
قصاصة ورقية بيضاء كتب بداخلها بخط اليد " مضيّ الكثير و بقي القليل , البداية عند النهاية , و تتطهر مجدداً عند المذبح و المهد " , ما هذا الهراء ؟! , من يكون هذا اللعين الذي يتلاعب بي هكذا ؟! , انا مندوب الغضب ! , انا شخص مميز ! , لست بشرياً قطعاً !
لست مستعداً للعيش هكذا , يجب علي ان أعلم ما يحصل , يجب علي أن أعلم ماذا علي أن افعل , يجب علي أن افعل شيئاً حيال هذا الاضطراب و هذه الحيرة ..
يجب علي أن أحلل القرية المحرمة لنفسي هذه المرة فقط !
يجب ان اذهب إلى هناك لمرة واحدة ..
أنا مستعد للخروج من جردائي القاحلة !
لأجد هذا اللعين الذي كان يتلاعب بي منذ البداية , و لألقنه درساً , كلا سأدق عنقه !
" قبل ثلاث سنين او اربع , ما الذي كنت عليه ؟! "
كنت متجهاً نحو القرية المحرمة , و عالمي الوهمي يضطرب اكثر فأكثر , اسمع همساً غير مفهوم و كأنه معزوفة في آذني , لحن لم يكن للإنسان خلقه ! , لحن من عالمٍ آخر , لغة لا يفهمها سوى الحمقى و السذج ..
منذ متى تمكنت بفعل كل هذا بنفسي !؟
قطعاً لا شيء يأتي بلا تضحية , فأما أن تُضحي بنفسك أو بالأخرين , اما أن تكون شيطاناً يبتلع الأخرين , أو حثالةً تلتف حولها القرود !
و لن أكون كذلك قطعاً , انا شخص مميز !
و بوصولي للقرية المحرمة , خالجني شعور غريب , ماذا يحصل هنا ؟! , لا أعلم ماذا يحصل لي ؟! , و كأن احدهم ابتلع ذكرياتي , و بالرغم من انني أعلم أن هذا المكان سيء جداً , و لكنني لا اعلم لماذا ؟!
و قفت على اعتاب باب هذه القرية , لم أكن لأطلق عليها مسمى القرية , فما هي إلا كوخ و لا شيء آخر, إن كنت انا من آسس هذا المكان فلماذا علي أن أخاف منه هكذا ؟! , لماذا جسدي يرفض الدخول إليها ؟!
و لكن ,, دخلت هذه القرية ,,
كان شعوراً مألوفاً , خليطٌ من الخوف و القلق و الحزن و الغضب ..
هذا ما كان يسكنني لثلاث سنين او اربع , هذا ما كان يعشش بداخلي و يشيد عرشاً عظيماً ..
كنت احدق بأرجاء هذه القرية و كأنني اراها للمرة الأولى , لا أعلم لماذا شيدت كوخاً ؟ , و ما معنى ذلك , كوخ ؟ , مسكن ؟ , تقدمت نحو باب هذه الكوخ و طرقته مراتٍ عديدة , كنت أعلم أنه لن يجيب علي أي احد , و لكنني واصلت الطرق , حتى ذقت ذرعاً بذلك , تراجعت للوراء , كنت أحدق للدخان المتصاعد من مدخنة هذا الكوخ , فكيف يمكن أن لا يوجد أي احد بداخله ؟ , كنت انظر إليه و كأنه كوخ يجب عليه أن يكون دافئاً , تقدمت نحو نافذة الكوخ , كنت انظر إلى داخل الكوخ , رأيت طفلاً صغيراً يلعب بغضنٍ مكسور تحت مائدة , طرقت النافذة بأصبعي الذي حبرت به اسم ايبوط ذات مرة , ليستدير الطفل نحوي و ينظر إلي , و حين فعلت ذلك , نظر إلي الطفل , و ما رأيته جعلني ارتعش خوفاً !
ملامح هذا الطفل مألوفة بالنسبة إلي , أنا اعلم حقاً من يكون ! , أنه يشبني ! , ذلك أنا في طفولتي في وقتٍ ما , كنت طفلاً طاهراً , كنت طفلاً ساذجاً , هذا الطفل و ما عليه , كان حلماً , كان مطلباً , كان وهماً , لم يكن له أن يتحقق مطلقاً , كنت اريد هذا , في وقتٍ ما من بلوغي ..
" الأمر السيء بخصوص الحياة , أنه لا يمكن استبدالها في حال عطبها "
تراجعت للخلف , الذكريات أمر السيء , النسيان أمر سيء !
و هذا الجحيم القارس هو أسوء الأشياء على الأطلاق , لم أكن لأستحق كل هذا , لم أكن اريد لأحصل على كل هذا ..
" لم أكن اريد هذا قط ! " , حاولت ان فقط أن اخرج من هذه القرية المشؤومة و لكن قدماي التي كانتا قاصرتين على الدخول إلى هذه القرية المحرمة , هي الأن تأخذني لمكانٍ ما , لم اعترض على ذلك ان كان في ذلك طريق لأعثر على القليل من الأجوبة , فجأة توقفت قدماي عن التقدم أكثر و توقفت انا عن التفكير تماماً , ما رأيت كان جثماناً و قبراً ..
" سأنبش قبور المجانين و سأوكز عامود قيام العقل حتى احيى كما يجب "
هذا الجثمان , هذا القبر , هذا الشاهد , رأيته في مكانٍ ما , أنا متأكد من ذلك , و لكنني فقط محجوب من تذكر ذلك ..
تباً , ما هذا الهراء !! , ما الذي يحصل لي !
لماذا هذا يحصل لي !
كنت احدق بالقبر , لم أكن اجرؤ على التفكير لمن هو مدفون به , لا يمكنني تخيل ذلك حتى , ذلك منافٍ تماماً لمفهومي حول الإنسانية و الموت ..
حاولت ان اعصر ذهني اكثر فأكثر , حاولت أن أتذكر ما شأن هذا القبر ؟ , و لكن ذكرياتي فقط , قد سُحِبَتْ مني ..
فمن انت يا محمد ؟!
و ما أنت عليه ؟!
و من أعماق ظلام ذلك القبر , اسمع نبضاً ليس غريباً علي , نبضٌ كان يعود إلي , و في كل نبضة ينبضها , يرتعش جسدي , لا أعلم ما معنى ذلك , و لا اريد حتى ان أعلم ما معنى ذلك !
هذا النبض اللعين !
اعتقد انه يجب علي ان انسحب من هنا , يجب علي أن اهرب .. لمكان أفضل !
كنت اضع يدي على مكان قلبي , و اكثر الأمور غرابةً هو عدم وجود قلبي في مكانه , لا أعلم كيف لم الحظ ذلك إلا الأن فقط ؟!
" إن الطريق للخلاص من الجحيم مُرٌ و شاقٌ "
لم أكن أفعل شيئاً منذ دخلت هذه القرية المحرمة سوى التراجع للخلف و الخوف ,,
لم اكن أفعل شيئاً سوى التذكر ..
" أتمنى أن لا ننسى كي لا نتذكر لاحقاً "
النسيان المطلق امر محال حتماً , و الطريق إلى النسيان المطلق و الخلاص الأبدي , مرٌ و شاق ..
أنا اعلم ذلك جيداً منذ البداية , لا شيء يأتي بلا تضحية ,,
أو بلا ثمن !
فماذا كان الثمن ؟!
أن كان هذا العالم وُجِدَ ليكون خلاص من ذلك الجحيم , فلماذا عليه أن يكون جحيماً آخراً ؟!
هل انا حقاً آلة ميكانيكية تجذب المتاعب نحوها !؟
ما العمل الأن ؟!
تباً ,,
يتبع بنصٍ آخر ,,