والصلاه والسلام على اشرف خلق الله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .. وبعد
اهلا بكم في موضوعي الجديد الذي يتناول مسأله مهمه قد يغفل عنها البعض وهي الدعاء قد يلجأ البعض الى الدعاء اذا اراد شيئا من الله او نزلت به مصيبه فيدعوا الله ان يرفعها عنه
وهذا لا خلاف فيه .. ولكن ما اجمل ان تدعوا خالقك في جميع الاوقات .. في الشده او الرخاء
فلو كنت تنعم بالامن و الطعام و ما الى ذلك لا ضرر من دعائك ربك ان يديمه عليك او ان تسأله
ان يرزقك توفيقه وما الى ذلك .. فالله يحب العبد الشكور .
ولا ننسى ان الدعاء صله مباشره بين العبد وربه .. فليس هناك وسطاء كحال الدنيا بل تصل دعوتك الى الله بإذنه تعالى
اترككم مع الموضوع امل ان يحوز على رضاكم

لغة : الدعاء : مصدر من دعا يدعو دعاءً ودعوةً،أقامواالمصدرمقامالاسم، تقول : سمعت دعاءً ، كما تقول سمعت صوتًا ، وقد يوضع المصدر موضع الاسم كقولهم : رجلٌ عدلٌ ، وهذا درهمُ ضرب الأمير ، وهذا ثوبٌ نسج اليمن . أفاده الخطابي -
- في ( شأن الدعاء ) ( [1] ) . والدعوة : المسألة الواحدة ، ويطلق الدعاء ويراد به معانٍ كثيرة ( [2] ) : فيأتي بمعنى الاستغاثة ، والنداء ، والثناء ، والسؤال والطلب ، والرغبة إلى الله تعالى ؛ ويأتي بمعنى التسمية ، وبمعنى العبادة .
فبمعنى الاستغاثة كما في قوله تعالى : ] وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ [[البقرة:23]، وبمعنىالنداءكمافيقولهتعالى:] يَوْمَ يَدْعُوكُمْ [[الإسراء:52]،وبمعنى الثناء كما في قوله تعالى : ] قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ [ [ الإسراء : 110 ] ، وبمعنى السؤال كما في قوله تعالى : ]ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ [ غافر : 60 ] ، وبمعنى التسمية كما في قوله تعالى : ] لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [ [ النور : 63 ] ، وبمعنى العبادة كما في قوله تعالى : ] إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ [ [ الأعراف : 194 ] ، وقوله U : ] وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ [ [ يونس : 106 ] .
فتلك المعاني تشترك في لفظ الدعاء لغة ، ولكن إذا أطلق لفظ الدعاء فيراد به الثناء على الله سبحانه ، أو الطلب منه U ، لاشتهاره بهذا المعنى ، وهو الحقيقة الشرعية ، أما إذا اقترن به ما يدلعلىغيرذلكفيحملمعناهعليه،كأنتقول: ألا تدعو فلانًا بكنيته ، فالمراد النداء أو التسمية .. وهكذا .
ومعنى الدعاء شرعًا : استدعاء العبد ربه U العناية ، واستمداده إياه المعونة ؛ قاله الخطابي
( [3] ) ، فهو ثناء العبد على ربه وتعظيمه ، وطلب حوائجه منه سبحانه ؛ وقيل : هو الطلب على سبيل التضرع .
حقيقة الدعاء :
استشعار الافتقار إلى الغني ، والحاجة إلى المغني ، والذل بين يدي العزيز ، والضعف بين يدي القوي جل في علاه ، مما يعطي العبد القوة الحقيقية ؛ لأنه موصول بالقوي المتين
؛ وقال الخطابي : إظهار الافتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة ، وهو سمة العبودية ، واستشعار الذلة البشرية ، وفيه معنى الثناء على الله U ، وإضافة الجود والكرم إليه ، ولذلك قال رسول الله e : " الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " . ا. هـ ( [4] ) .
[1]- شأن الدعاء : ص3 .
[2] - انظر لسان العرب باب الواو فصل الدال ، وفتح الباري : 11/94 .
[3] - شأن الدعاء : ص 4 .
[4]- شأن الدعاء : ص4 ؛ والحديث رواه أحمد : 4 / 267 ، وأبو داود ( 1479 ) ، والترمذي (3372 ) ، والنسائي في الكبرى ( 11464 ) ، وابن ماجة ( 3828 ) ، وغيرهم عن النعمان بن بشير
.
قال الخطابي -
: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القدر من الله والقضاء منه ، معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدره ، وليس الأمر كما يتوهمونه ، وإنما معناه : الإخبار عن تقدم علم الله
بما يكون منأفعالالعبادوأكسابهم،وصدورهاعنتقديرمنه،وخلقٍلهاخيرهاوشرها. والقدر : اسم لما صدر مقدرًا عن فعل القادر ، يقال : قدَرت الشيء ، وقدَّرت ، خفيفة وثقيلة ، بمعنى واحد . والقضاء في هذا معناه الخلق ، كقوله تعالى : ] فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [ [ فصلت : 12 ] ، أي خلقهن . وإذا كان الأمر كذلك : فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم أفعالهم وأكسابهم ومباشرتهم تلك الأمور ، وملابستهم إياها عن قصد وتعمد وتقديم إرادة واختيار ، فالحجة إنما تلزمهم بها ، واللائمة تلحقهم عليها .
وجماع القول في هذا الباب : أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر ، لأن أحدهما بمنزلة الأساس ، والآخر بمنزلة البناء ، فمن رام الفصل بينهما ، فقد رام هدم البناء ونقضه .ا.هـ المراد منه ( [1]) .
فعلى هذا : فالقدر هو علم الله الأزلي بما تكون عليه المخلوقات . وأما القضاء فمعناه : إيجاد الله تعالى الأشياء حسب علمه وإرادته ( [2] ) . وهما متلازمان .
والقضاء له وجهان : أحدهما تعلقه بالرب سبحانه ونسبته إليه ، فمن هذا الوجه يرضى به كله . والثاني : تعلقه بالعبد ونسبته إليه ، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به ، وإلى ما لا يُرضى به ؛ ومثال ذلك : قتل النفس - مثلاً - له اعتباران : فمن حيث إنه قدره الله وقضاه وكتبه وشاءه ، وجعله أجلاً للمقتول ونهاية لعمره ، يرضى به . ومن حيث إنه صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره ، وعصى الله بفعله ، يسخطه ولا يرضى به . أفاده ابن القيم

، وهو كلام نفيس في بابه ، مَنْ تنبه له اتضحت له كثير من معضلات هذه القضية . وبالله تعالى التوفيق .
[1] - انظر معالم السنن : 7 / 69 ، 70 ( مع مختصر السنن للمنذري ) .
[2] - انظر تبسيط العقائد الإسلامية : ص104 .
اعلم - رحمني الله وإياك - أن القدر هو الركن السادس من أركان الإيمان التي ذكرها النبي e في حديث جبريل المشهور ، ولا يصح إيمان العبد حتى يؤمن بالقدر ؛ روى مسلم في صحيحه عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ : كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ ، فَقُلْنَا : لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ eفَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ فَقُلْتُ : أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ ( [1] ) الْعِلْمَ ؛ وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ ( [2] ) ، قَالَ : فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ؛ ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ e ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ e فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، وَقَالَ : " يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ " فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e : " الْإِسْلَامُ : أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ e ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا " قَالَ : " صَدَقْتَ " قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ! قَالَ : " فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ " قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " قَالَ : " صَدَقْتَ " قَالَ : " فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ " قَالَ : " أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " قَالَ : " فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ " قَالَ : " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ! " قَالَ : " فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا " قَالَ : " أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ " قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ؛ ثُمَّ قَالَ لِي : " يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ " قُلْتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ " ( [3] ) .
قال النووي -
: واعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ، ومعناه : أن الله
قدَّر الأشياء في القدم وعلم - سبحانه - أنها ستقع في أوقات معلومة عنده
، وعلى صفات مخصوصة ، فهي تقع على حسب ما قدرها
.ا.هـ ( [4] ) ؛ وعن ابن عباس -
- قال : القدر نظام التوحيد ، فمن وحَّد الله U وآمن بالقدر ، فهي العروة الوثقى ([5] ) التي لا انفصام لها ؛ ومن وحَّد الله تعالى وكذب بالقدر ، نقض التوحيد ( [6] ) ؛ قال ابن أبي العز -
- في ( شرح الطحاوية ) : وهذا لأن الإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بعلم الله القديم ، وما أظهر من علمه الذي لا يحاط به ، وكتابه مقادير الخلائق ؛ وقد ضل في هذا الموضع خلائق من المشركين والصابئين والفلاسفة وغيرهم،ممنينكرعلمهبالجزئياتأوبغيرذلك، فإن ذلك كله مما يدخل في التكذيب بالقدر . انتهى المراد منه .
[1] - أي : يطلبونه ويتتبعون أثره ، والتقفر : تتبع أثر الشيء .
[2] - أي : مستأنف لم يسبق به قدر ولا مشيئة .
[3] - مسلم ( 8 ) . ورواه أحمد : 1 / 27 ، وأبو داود (4695) ، والترمذي (2615) ، ورواه مختصراً ، النسائي (4990) ، وابن ماجة (63) . ورواه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة .
[4] - شرح مسلم : 1 / 154، 155 ، وانظر تفسير القرطبي : 17 / 148 ، وتفسير ابن كثير : 4 / 235.
[5] - العروة : ما يُستمسك به ويُعتصم من الدين ؛ والوثقى : المُحْكَمَة ، وهي من الوثاق ، وهو في الأصل حَبْلٌ أو قَيْدٌ يُشَدّ به الأسير والدَّابَّة .
[6] - رواه عبد الله بن الإمام أحمد في ( السنة ) رقم 925 ، والالكائي في ( اعتقاد أهل السنة ) رقم 1224 ، والفريابي في ( القدر ) رقم 173 ، والآجري في ( الشريعة ) رقم 462 ، 463 ، من طرق عن ابن عباس
.
هاهنا حقائق أخرى أريد أن أثبتها ، قبل أن أبين علاقة الدعاء بالقدر :
الحقيقة الأولى :
تقدم أن القدر هو علم الله الأزلي بما تكون عليه المخلوقات ؛ وأما الإيمان بالقدر فالتصديق الجازم بأن الله علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ، ثم أوجد ما سبق في علمه أن يوجد ، فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته ، خيرًا كان أو شرًا ؛ ويقتضي الإيمان بالقدر التصديق بأمور أربعة :
الأول : الإيمان بأن الله محيط بكل شيء علمًا ، جملة وتفصيلا أزلا وأبدًا ؛ فقد سبق في علمه U ما يعمله العباد من خير وشر وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم ، ومن هو منهم من أهل الجنة ، ومن هو منهم من أهل النار ، وأعد لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم .
الثاني : الإيمان بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة .
الثالث : الإيمان بأن كل ما يحدث في الكون فإنه بمشيئة الله U لا يخرج شيء عن مشيئته .
الرابع : الإيمان بأن الله خلق كل شيء , فكل شيء مخلوق لله U سواء كان من فعله الذي يختص به كإنزال المطر وإخراج النبات ، أو من فعل العبد وفعل المخلوقات , فإن فعل المخلوقات من خلق الله U , لأن فعل المخلوق ناشئ من إرادة وقدرة والإرادة والقدرة من صفات العبد ؛ والعبد وصفاته مخلوقة لله U فكل ما في الكون فهو من خلق الله تعالى ، قال اللهY : ] وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [ [ الصافات : 96 ] . والعلم عند الله تعالى .