[ صفاء .. ما بعد الحقيقة .. ]

[ صفاء .. ما بعد الحقيقة .. ]</strong>

غرفة باردة .. مظلمة .. كئيبة ..

وشعاع دافئ يخترق اركان الغرفة من تلك النافذة الحزينة ..

يرسم لوحة ذهبية في أرضية الغرفة ..

قلم .. وورقة .. على طاولة .. اهلكها الزمن ..

وكوب ماء .. في زاوية تلك الطاولة ..

أمسك الكوب .. اهتزت يداه برعشقة .. ، وضع الكوب أمامه بعدما ارتشف شيء منه ..أمسك القلم بتردد ..
كتب كلمة واحدة .. " أنا " ..
توقف .. رمى القلم على الطاولة .. تدحرج القلم ليقع على الأرض ..
التقطه ..
كتب مره اخرى .. " أنا .. "
توقف .. تنفس بعمق ..

اكمل " أنا .. كتلة من المشاعر الأنسانية .. تكورت ودفنت تحت ايادي غريبة .. أنا سراب .. تراني تارة .. اختفي .. تارة اخرى .. انا ثلجه .. اذوب واختفي .. أنا لا شيء .. "
توقف عن الكتابة .. رمى القلم بقوة على الأرض ..
اندفع نحو النافذة ..
فتحها بسرعه .. وهو يتنفس بصعوبة ..
اندفع الهواء النقي داخل الغرفة .. ليتحرك في ارجائها .. وكأنه يغسل الكآبة منها ..

همس " من أنا ..؟ من أكون .."

اغمض عينيه .. ليدع اشعة الشمس الدافئة تداعب جسده الهزيل .. هزيل المشاعر والخيال ..

قال في نفسه " عشت حياتي كلها .. مقيدا .. قيود جرتني بقوة الى عالم سفلي .. جعلني اسير .. ضعيف .. بأنيابه المؤلمة .. لا استطيع التغلب على تلك القيود .. لا استطيع الهرب .. "

تذكر طفولته .. تلك الفترة الزمنيه الجميلة .. لا مستحيل فيها .. ولا أحزان .. ابتسامة طفولية .. وضحكة بريئة .. وحلوى وكعك وشوكلاته.. "

فتح عينيه تنفس بعمق .. قال بصوت مرتفع .. اريد ان اصنع جناحا واطير عبر الزمن .. لأرى من انا ومن اكون .. ماذا فعلت .. ؟ ربما استطيع ان انتشل هويتي من اعماق ذاكرتي الحزينة..

" هل انا انسان .. ام انا وهم .. او خيال ؟ .. هل انا موجود .. ام انا عدم .. هل صوتي مسموع.. ام هو مكتوم .."

تذكر صورة امه ببتسامتها الحنون .. تدفعه الى الأمام .. تدفعه الى انجاز المستحيل ..

ابتسم .. تلون وجهه بألوان براقة .. ألتقط القلم من على الأرض .. لتنعكس تلك اللوحة الجميلة الذهبية في عينيه ..

مسح الكلمات التي كتبها من قبل .. كتب .. أبياتا شعرية لطالما احتفظ بها في ذاكرته ..

" الدهر يومان ذا أمن وذا خطر ..... والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ..... وتستقر بأقصى قاعه الـــــــــدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها ..... وليس يكسف إلا الشمس والقـــمر "

وضع القلم بهدوء على الطاولة .. قال بصوت هادئ .. " عش يومك .. وكأنه اخر يوم لك .. عش حياتك .. ولا تقيد نفسك بسئلة ترميك في قاع محيط .. لا يسمعك به احد .. أنت جسد وروح انت من خلق ربك العظيم.. دع التفاؤل شعار حياتك "

شرب من كوب الماء الذي امامه .. وابتسامته لم تفارق شفاته ..
[ النهاية ]